قانون حفظ الطاقة
قانون حفظ الطاقة
هذه
ملاحظات ينبغي التذكير بها، تتعلق بقانون حفظ الطاقة، كونه يرد على الألسن كثيراً،
من غير معرفة بالمعنى الدقيق للقانون.
في
الفيزياء ينص قانون حفظ الطاقة على أنه "في نظام معزول، يبقى مجموع
الطاقات ثابتاً". وذلك يعني أن الطاقة لا تفنى ولا تخلق من العدم، ولكنها
يمكن أن تنتقل من مكان لآخر، أو تتحول من صورة إلى أخرى.
أما
في الكتب المدرسية فينص قانون حفظ الطاقة على ما يلي: "في نظام
مغلق، لا يمكننا أن نحصل على طاقة أكثر مما نضع فيه".
وهذه
العبارة تحتوي على مغالطة وإيهام.
فهو
ينص على نظام مغلق، وهي عبارة موهمة، وكأن هناك نظاماً يمكن وصفه بأنه مغلق
في الكون كله. لقد ذكرت هذه العبارة لأسباب منطقية، وهي لا تصور الحقيقة بحال، ذلك
أن بإمكاننا غلق نظام ما تجاه نوع أو بضعة أنواع من الطاقة وبصورة مؤقتة، ولكننا
لا يمكن بأي حال أن نغلق أي نظام غلقاً كاملاً في أي مكان من الكون.
خذ
أي مثال يخطر على البال، وتأمله، ستجد أن أنواعاً عديدة من الطاقة تدخل إليه
باستمرار وتخرج منه باستمرار. هل يمكن اعتبار السيارة أو الطائرة أو الباخرة مثلاً
أنظمة مغلقة؟ إنها تتلقى باستمرار طاقات مختلفة غير طاقة الوقود – طاقات رياح
وجاذبية وشمسية وأشعاعات كهرومغناطيسية وكونية – وتخرج منها باستمرار طاقات – طاقة
حرارية وأشعة كونية وطاقة حركية – تخيل لو أن السيارة نظام مغلق، ماذا سيحدث؟
سيشوى الركاب حتى الموت بالحرارة المتولدة من حرق الوقود خلال دقائق، لأن كل الحرارة
الزائدة لا تجد طريقها للخروج من النظام المغلق.
ولوكانت
السيارة نظاماً مغلقاً، فمن أين ستأتي بالأوكسجين اللازم لحرق الوقود؟ ولو حملت
معها أوكسجينها لأننا نريدها نظاماً مغلقاً، فكيف ستتخلص من الغاز العادم؟
نفس
المثال ينطبق على الأجهزة الإلكترونية والمفاعلات النووية وأي شيء آخر في الكون،
طبيعياً أو صناعياً، من الذرة إلى المجرة.
وعليه
لا يصح التفكير بالنظام المغلق إلا على أنه حالة خيالية تم إيجادها لتسهيل التعامل
مع القوانين، ولتسهيل العمليات الحسابية فقط.
نأتي
الآن إلى المغالطة في القانون كما يتم تدريسه في المدارس، "في نظام مغلق، لا
يمكننا أن نحصل على طاقة أكثر مما نضع فيه". هذه الفقرة غير دقيقة
الصياغة، من الذي صاغها بهذا الشكل؟ لا أعرف. إن النص الأصلي للعبارة لا يشير إلى
أننا نضع أية طاقة. حسب النص المدرسي "نضع" يعني أننا نحن الذين
نضع الطاقة الداخلة، وقد يصدق هذا على جهاز التبريد والسيارة والكثير من الأجهزة
الأخرى، ولكنه لا يصدق أبداً على أجهزة أخرى مثل ألواح الطاقة الشمسية ومولدات
الرياح والمراكب الشراعية، فنحن لا نضع فيها أي شيء من الطاقة، أي أن الطاقة
الداخلة في هذه الحالة تساوي صفراً، وهذا انتهاك صريح للقانون.
ولكنه
إنتهاك لأي قانون؟، إنه القانون المدرسي المزيف، وليس القانون الأصلي، لأن النص
الأصلي للقانون يدخل في الحساب كافة أنواع الطاقة الداخلة مهما كان مصدرها، ولا
فرق إن وضعناها نحن أم وضعت من مصادر طبيعية أو صناعية.
أعتقد
أن في هذا كفاية فيما يتعلق بالأخطاء الشائعة بالنسبة لنص القانون، ولكن هناك خطأ
أعمق في الأذهان وأشد شيوعاً بين الناس، وحتى بالنسبة لكثير من خريجي الجامعات،
وخاصة في عالمنا العربي، وهو خطأ متعلق بالمجال الفيزيائي الذي يعمل فيه القانون،
حيث يكاد يكون هناك إجماع على أن القانون يعمل في "كل زمان ومكان وحالة"
بالنسبة لعالمنا الفيزيائي، وهذا خطأ محض ومسبب للكثير من الأحكام الخاطئة
والتعصبات الجائرة والعمى الفكري.
هذا
القانون يعمل في توافق تام مع كافة الحالات المتناظرة سواء كانت طبيعية أم صناعية،
ويفشل تماماً في حالة اللاتناظر Assymmetry،
أو ما يسمى أحياناً "التناظر المكسور Broken Symmetry".
إن نظرية
عام 1918 للرياضية والفيزيائية الألمانية إيمي نويثر Emmy Noether تنص، على أن كل تناظر
مستمر لنظام فيزيائي يتوافق مع قانون الحفظ وكما يلي:
تناظر
الزمن يتوافق مع قانون حفظ الطاقة،
تناظر
الفضاء يتوافق مع قانون حفظ الزخم،
تطابق
خواص الفضاء يتوافق مع قانون حفظ الزخم الزاوي،
تناظر السعة يتوافق مع قانون حفظ الشحنة الكهربائية، وهلم جرا.
ذلك يعني، أن التناظر موجود في الطبيعة، ومن ثم فإن ذلك يؤدي إلى
التوافق مع نظرية قانون الحفظ. وفي نفس الوقت، فقد تم النظر إلى التناظرات على
أنها "غير قابلة للتغير". ولم يؤخذ في الإعتبار حتى احتمالية كسر أي
تناظر، على الرغم من أن ذلك لا يتعارض مع أي شيء في الحقيقة، إنه مجرد يغير
الفيزياء.
ولذلك، فإن قانون حفظ الطاقة لا يمكن انتهاكه حقيقة كمبدأ، بسبب أن
ذلك "القانون" هو نتيجة لتفاعل متناظر موجود، وليس سبباً لذلك التفاعل
المتناظر. مع ذلك، فإن تجنب انطباق قانون حفظ الطاقة ممكن تماماً. ولأجل القيام
بذلك، فإن كل المطلوب هو ترتيب الأشياء بطريقة تكسر التناظر.
ولغرض التوضيح أكثر، دعونا نأخذ بعض الأمثلة، فمثلاً في النظام
المتناظر تكون الشحنات الموجبة في حالة تناظر مع الشحنات السالبة، ويكون القطب
المغناطيسي الشمالي مقترن دائماً بالقطب المغناطيسي الموجب، وهذه طبعاً حالات
متوافقة تماماً مع قانون حفظ الطاقة، لا بل يجب أن تكون متوافقة.
أما إذا تم كسر الإرتباط بين الشحنة الموجبة والشحنة السالبة، أو بين
القطب الشمالي والقطب الجنوبي، بحيث
يتصرف كل منهما بشكل منفصل عن الآخر، كما في حالة "أحادي القطب"، هنا لا
يعود النظام متناظراً، ومن الطبيعي أن قانون حفظ الطاقة لا يتوافق مع هكذا نظام،
كما أن نتائج هكذا نظام لا تنتهك قانون حفظ الطاقة، لأنها من مجال فيزيائي مختلف.
إن
من الأمثلة العملية على الأنظمة غير المتناظرة، محرك هوارد جونسون ذي المغناطيس
الثابت، فقد بنى هوارد محركه بطريقة يكون فيها على الجزء الدوار (الروتور)
مغناطيسات ذات قطبية خاصة، تكون في حالة تفاعل غير متوازن وباستمرار مع مغناطيسات
الجزء الثابت والمرتبة هي الأخرى على مسافات غير متساوية بين الواحد والآخر، كما
أن الفجوة بين الروتور والستاتور لم تكن ثابتة في كل الأحوال، وقد دار هذا المحرك من
غير أية طاقة داخلة منتجاً قدرة حوالي 5 كيلوواط.
ولكيلا
يسيء الظن بعض الناس غير المطلعين على الموضوع أقول أن هذا المحرك قد نال براءة
اختراع أمريكية برقم US4,151,431،
في عام 1978، وتم الكشف عن الكثير من تفاصيله في مؤتمر علمي عقد في كندا عام 1979.
وبرغم
كثرة الوثائق المنشورة عنه، لم يقم أحد بتقليده حسب علمي حتى الآن، ربما بسبب أن
بعض تفاصيله العملية لم يتم الكشف عنها. وعموماً، لا أتصور أن هناك إمكانية
لتقليده عربياً، ليس بسبب نقص الكفاءة أو التمويل، وإنما بسبب تخلفنا في المجال
الصناعي بالدرجة الأولى، فهذا المحرك يحتاج إلى إمكانيات صناعية وحرفية غير
متوفرة؛ مثلاً مغناطيسات الروتور (وهي مغناطيسات نيوديميوم) ذات شكل هندسي غير
مألوف، فهي غير متاحة في السوق وإنما يتم تصنيعها حسب الطلب، كما أن كافة
مغناطيساته معالجة بعد إخراجها من القوالب إلى دقة سطوح لا تتجاوز بضعة أجزاء من
الألف من الإنش. هذا واحد من المعوقات وهناك غيره الكثير.
وإلى لقاء قريب.
Comments
Post a Comment