ملاحظات عن الفكر العلمي
ملاحظات عن الفكر العلمي
يجب
أن أقول مقدماً أنني لست مختصاً بالفيزياء ولا بشؤون الطاقة، ولكنني تحت ضغط
الحاجات اليومية لمجتمعنا أصبحت متابعاً لبعض الجوانب في هذه المجالات، أقصد
المتابعة بقراءة بعض الكتب، وتصفح الإنترنيت.
وقد
أسعدني الحظ بإلمام بسيط باللغة الإنجليزية، ومستوى من الثقافة معقول في بعض جوانب
الفلسفة والتاريخ والأدب، وهكذا وجدتني أطلع على بعض القضايا المثيرة للإهتمام،
ومن بينها موضوع الطاقة المجانية.
غير
أن المثير للعجب، ونحن في القرن الحادي والعشرين، هذا الصراع المرير بين المؤمنين
بالطاقة المجانية والكافرين بها، رغم كثرة الوثائق المنشورة على شبكة الإنترنيت
حول الموضوع. وأقول أنه صراع مرير لأنه ينزلق بسهولة إلى الفظاظة في الأسلوب،
والبذاءة في الحوار، وكأن هذه الطريقة مجدية في إثبات الحقائق العلمية أو نفيها.
وبمتابعتي
لهذا الصراع من خلال قراءتي للتعليقات على فيديوهات اليوتيوب، وصلت إلى مجموعة من
الملاحظات، أراها محورية في كل هذه المناقشات. ولعل أقوى مثير للصراع في رأيي هو
تحجر الفكر العلمي عند تناوله للظواهر سواء كانت طبيعية أو مصطنعة.
لقد
كان العلم وما زال تابعاً للطبيعة، فليس العلم إلا تفسيراً واستقراءاً لمتغيرات
الطبيعة، وما هو إلا محاولة الإنسان فهم العوامل المحركة لعناصر الطبيعة. ومن هذه
المحاولات تنتج نظريات، نطلق عليها نظريات علمية. فما هي النظرية العلمية؟
إنها
أولاً تفسير منطقي لمجموعة من الظواهر الطبيعية، وثانياً إجابة على أسئلة البشر
حول هذه الظواهر، وثالثاً وسيلة يتنباً البشر من خلالها بأحداث المستقبل. هذه هي
مكونات أية نظرية، سواء كانت في مجال الفيزياء أو الطب أو التاريخ أو الإجتماع،
وحتى الأدب.
وتبقى
النظرية العلمية راسخة الأقدام بين العلماء، مهيبة لدى العامة، ما دامت محافظة على
هذه الأركان الثلاثة. أما إذا عجزت عن التفسير بسبب تطور الحياة وظهور ملاحظات
جديدة، وبالنتيجة عجزت عن الإجابة على الأسئلة، فإنها ستكون في النهاية غير قادرة
على التنبؤ بأحداث المستقبل بشكل صحيح.
وينتج
عن هذا ارتباك وتشوش في أوساط العلماء والمختصين، كما تفقد النظرية هيبتها وسط
العامة من الناس. هنا تظهر ضرورة تعديل النظرية وتصحيحها، أو التخلص منها تماماً،
وهذا لا يحدث إلا بظهور نظرية علمية جديدة، أقدر على التفسير، والإجابة، والتنبؤ.
هكذا
سار العلم منذ فجر التاريخ حتى الآن، وسيظل سائراً هكذا في دروب المستقبل، فهذا
قانون من قوانين تطور الحضارات، غير قابل للتغيير.
نستخلص
من هذا، أن العلم ونظرياته وقوانينه، تابع للطبيعة، نابع منها، والطبيعة تقوده،
وليس هو الذي يقودها. غير أن الجدير بالملاحظة في عصرنا الحالي، هو هذا النوع من
التقديس للنظرية العلمية، وللقوانين العلمية، بحيث أنه هناك شعور سائد، بأن على
الطبيعة أن تتبع النظرية، وتمشي وفقاً للقانون، شاءت الطبيعة أم أبت. وهذا تفكير
معكوس.
وقد
تسبب هذا في ظهور فئتين من الناس، فئة تنكر أي شيء لا تستطيع فهمه بعلمها المحدود،
حتى لو كان حقيقة واضحة وضوح الشمس. وفئة مستعدة لتصديق أي شيء، حتى لو كان مجرد
خيالات وأوهام. وكلا الفئتين خارج حركة التاريخ، ولن تكون لهما أية قيمة بالنسبة
لقضايا العلم.
بين
هاتين الفئتين فقط يتركز الصراع الدائر حول موضوع الطاقة المجانية. طبعاً
هذا لا يعني أن موقف الفئتين دائماً باطل خال من الحقيقة، غير أن طبيعة الصراع
الدائر بينهما، وأسلوب المناوشات والمهاوشات يضيع أية حقيقة ربما يكون لها وجود في
ثنايا الكلام.
في
المقالات القادمة سأحاول مناقشة بعض قوانين الفيزياء، في محاولة للوصول إلى فهم
أفضل، وتقريب وجهات النظر لدى كلا الفئتين، من غير تحيز لفئة على حساب فئة، وفي
كل الأحوال يبقى البحث العلمي الرصين، مع رصد ظواهر الطبيعة، بقصد الفهم، هو
المعيار الأساسي لكل نقاش علمي.
فإلى لقاء قريب.
Comments
Post a Comment