الماء


الماء

الماء سر الحياة، وأساس كل حضارة على هذه الأرض. لم يحدث أن وجد مجتمع بشري بعيداً عن مصادر الماء، فالبشر دائبو البحث عن الماء. حول مصادر الماء، ظهرت أولى المجتمعات البشرية، وقامت كل الدول، ونشأت كل الحضارات.
وبرغم هذا الدور العظيم للماء في حياة البشر، ومع أنه المركب الكيميائي الأكثر وفرة على الأرض، فإن ما نعرفه عنه قليل جداً، حتى أنه يمكن القول أن علم الماء لا يزال في بداياته، فما نعرفه عن الماء شيء بسيط.
ما الذي نعرفه عن الماء؟ أنه سائل في الحالات الطبيعية. يتجمد الماء في درجة حرارة صفر درجة مئوية، ويصبح بخاراً في درجة حرارة 100 درجة مئوية. كما أن الماء متكون كيمياوياً من اتحاد غازي الهيدروجين والأوكسجين، ولذلك يرمز له عادة H2O، هذه هي المعلومات الشائعة لدى كل الناس عن الماء. ولكن هناك الكثير والكثير جداً غيرها.
يكون الماء عموماً على ثلاث حالات: صلبة وسائلة وغازية، والحالة السائلة هي الأكثر وفرة في الأرض، ويمكن للماء أن يتبخر في درجة حرارة أقل من 100 درجة مئوية بفعل الشمس والرياح، مما يجعله يصعد في جو الأرض بشكل بخار، لا يلبث أن يتكثف لينزل من جديد على الأرض في شكل مطر، مكوناً أنهاراً تتدفق باتجاه البحار، ليعاود التبخر من جديد.
هذه الدورة تسمى دورة الماء في الطبيعة، ولهذه الدورة أثر عظيم في توزيع المياه ومنع تراكمها في مكان واحد، كما أنها تعمل على إعادة توزيع الحرارة، وتنقية الجو من كثير من الشوائب، ونشر الحياة في أماكن بعيدة عن أماكن تجمع الماء في البحار والمحيطات.
أما كثافة الماء فتتزايد بتناقص درجات الحرارة، يعني كلما قلت درجة حرارته أصبح أثقل، فتنزل الطبقات الباردة دائماً تحت الساخنة، ويستمر على هذا المنوال حتى يصل إلى درجة حرارة 4 درجة مئوية، حيث يصل إلى أعلى كثافة له، ويصبح للمتر المكعب منه وزن 1000كغم، ثم يبدأ يتصرف بطريقة شاذة، فتقل كثافته مع هبوط درجة الحرارة، أي يصبح أخف، حتى يصل إلى درجة التجمد عند درجة حرارة صفر مئوية، فيصبح له وزن 917 كغم لكل متر مكعب، وهذا هو سبب طفو الجليد فوق سطح الماء.
من الناحية الكيميائية، تتكون جزيئة الماء كما قلنا من ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين واحدة، هكذا H-O-H، ولكن تشكيلها في الواقع ليس بشكل خط مستقيم، وإنما بشكل مثلث، رأسه ذرة الأوكسجين وطرفاه ذرتي الهيدروجين.
هذا الشكل يجعل من جزيئة الماء ثنائية القطب (دايبول Dipole)، حيث هناك جهة سالبة، هي ذرة الأوكسجين، وجهة موجبة تقع فيها ذرتي الهيدروجين. هذا الترتيب يسبب الكثير من الظواهر بالنسبة للماء، فجزيئة الماء لا تبقى بشكل جزيئة منفردة، وإنما تنجذب باستمرار نحو أخواتها من جزيئات الماء، أو من الجزيئات الأخرى ذات الطبيعة المستقطبة.
هنا ينجذب طرف الأوكسجين السالب، في جزيئة ماء، نحو إحدى ذرتي الهيدروجين في جزيئة ماء أخرى، وهكذا بالنسبة لباقي جزيئات الماء. هذه الرابطة تسمى "الرابطة الهيدروجينية H-bond". وهذه الروابط تعمل على تنظيم الماء ضمن تشكيلات بلورية متغيرة باستمرار. وقد وجد العلماء أن جزيئة الماء لا تستقر على حال واحدة من الإرتباط، فهي تبدل ارتباطاتها مع الجزيئات باستمرار، أي أن جزيئة الماء تبدل شريكاتها من الجزيئات بانتظام، وقد تم قياس معدل هذا التغير فوجد أنه يحدث 160 بليون مرة في الثانية.
هذا يعني أن العالم المحيط بنا، والذي يدخل الماء في تركيبه، بما فيه نحن، تنكسر روابطه ويعاد تشكيلها من جديد 160 بليون مرة في الثانية. وهذا يؤكد على أننا، نحن وعالمنا، في حالة تغير مستمر، يستحيل ثباته على حال.
من ناحية أخرى، تقوم هذه الروابط الهيدروجينية، بتسهيل ارتباط الماء مع كافة الجزيئات المستقطبة، مما يجعله مذيباً جيداً للكثير من المركبات، ويعطي للماء دور الوسيط الحيوي لعدد لا يحصى من التفاعلات، ومن بينها التفاعلات الحيوية في داخل الكائنات الحية.
ومن نتائج وجود الروابط الهيدروجينية هذا الشكل السداسي المنتظم الذي تتمتع به الكثير من بلورات الثلج. لقد افتتن بهذه الأشكال السداسية المصور الأمريكي ويلسون بنتلي Wilson Bentley، الذي توفي عام 1931 تاركاً وراءه أكثر من 5000 صورة لرقائق الثلج (الوفر) النازلة من السماء، وقد تم توثيق 2500 منها إضافة إلى بعض المؤلفات.
لا يكوّن ماء الصنبور أية بلورات
كما اهتم بهذه الأشكال السداسية الناتجة عن تجميد الماء ببطء، العالم الياباني ماسارو إيموتو Masaru Emoto الذي توصل إلى العديد من النتائج، منها أن الأشكال السداسية للماء تكون بأشكال مختلفة وفقاً لمصدر الماء الذي أتت منه، وأن الماء يتأثر بالمحيط الذي يوجد فيه، فالمحيط الصاخب أو السيء أو العنيف ينتج بلورات مشوهة أو لا ينتج أية بلورات، بعكس المحيط الهاديء والمسالم حيث تأتي البلورات بأشكال براقة أو جميلة.
بلورة مياه الينابيع
ومن المفارقات الغريبة أن جزيئة الماء تصمد بقوة أمام الحرارة فلا تتفكك حتى تصل درجات الحرارة إلى حوالي 1000 درجة مئوية، وتحتاج في هذه الحالة إلى طاقة عالية لغرض تفكيكها. إلا أنها في الوقت نفسه تتفكك بتأثير جهد كهربائي بسيط بحدود 1.24 فولت وتيار بسيط، حسب النتائج التي حصل عليها العالم الإنجليزي مايكل فاراداي Michael Faraday. كان فاراداي عالماً حقيقياً ومدققاً جداً، وقد قبلت نتائجه على نطاق واسع. وقدر تعلق الأمر بموضوعنا، فإن إنتاج لتر واحد من مزيج الهيدروجين والأوكسجين، وبالإستناد إلى قوانين فاراداي في التحليل الكهربائي، يستهلك 2.34 واط كحد أدنى خلال ساعة واحدة.
هذا يعني أنه لا يمكن إنتاج أكثر من 1 لتر من مزيج الغاز بأقل من 2.34 واط، وقد اعتبر هذا الرقم حاجزاً لفترة طويلة من الوقت، مع ذلك وخلال الفترة من العشرينات إلى السبعينات من القرن الماضي، أنجزت الكثير من الدراسات من أجل تقليل هذا الرقم، وقد تم كسره في العديد من الحالات، غير أن هذا موضوع واسع، سنتطرق إليه في مقالات لاحقة.
لا يزال هناك الكثير من الظواهر المهمة التي تستحق الذكر، ولكن حجم مقالة المدونة لا يسمح بالمزيد من الإستطراد. لمزيد من المعلومات، أوصي القاريء بزيارة موقع ويكيبيديا، حيث سيجد الكثير مما يشبع فضوله.
وإلى لقاء قريب.


Comments

Popular posts from this blog

ملاحظات ختامية حول بناء المعززات

الإلكتروليت

غاز الهيدروجين